العب للاستماع إلى الراديو
https://youtu.be/Zz3NkDbpbwA
وشهد الصومال خلال ربع القرن الماضي سيلًا من الاضطرابات الداخلية والصراع القبلي والفساد والتدخلات الأجنبية وأزمات الجوع المتكررة بعد انهيار الدولة عام 1991.
ومع تسارع الجهود الرامية إلى تشكيل حكومة مؤقتة في الصومال تحت رعاية الدول الغربية بعد عام 2006، إلا أن الظروف التي شهدتها البلاد والتدخل الأجنبي المباشر، أديا لظهور تنظيم “حركة الشباب” الصومالي الإرهابي الذي يتبع فكريًا لتنظيم القاعدة.
وخلال هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الصومال والتي شهدت امتناع وكالات الإغاثة الدولية من الذهاب إلى البلاد لأسباب أمنية، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة إلى هذا البلد، على رأس وفد رفيع المستوى عام 2011، زار خلالها مخيمات اللاجئين واطلع على الواقع الذي تعيشه البلاد منذ سنوات.
وبهذه الزيارة، أصبح أردوغان ثاني زعيم غير إفريقي يزور البلاد منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991، وكانت هناك زيارة خاطفة للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب للصومال في عام 1993 عندما كانت القوات الأمريكية تتواجد في الصومال.
وخلال الزيارة، تم اتخاذ خطوات مهمة فيما يتعلق بالمشاريع الدائمة التي ستقوم تركيا بتأسيسها خلال السنوات اللاحقة، مثل المساعدات الإنسانية والنهوض بالبنية التحتية ودعم مسيرة التنمية وتوفير المياه النظيفة الصالحة للشرب وإعادة تأهيل القطاع الطبي.
– تنظيم الشباب يطلق خطابا معاديا لتركيا
وقال سرهاد أوراقجي، الباحث في الشأن الإفريقي في مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية في هيئة الإغاثة التركية (İHH)، إن المتابعين للشأن الإفريقي يعرفون بأن تنظيم الشباب، وهو تنظيم مسلح ينشط في الصومال، قد أطلق خطابًا معادياً لتركيا منذ زمن طويل.
وأضاف أوراقجي لمراسل الأناضول، أن التنظيم في الواقع، لم يكتف ببث الخطابات المناهضة لتركيا وحسب، بل دأب خلال السنوات الماضية على استهداف البعثات الرسمية وخاصة التركية، من خلال هجمات مسلحة.
وأشار أوراقجي أن تنظيم الشباب لعب خلال السنوات الأخيرة دور البيدق في صراع القوة الجيوسياسية بالقرن الإفريقي، وخدم مآرب قوى مختلفة تسعى لتقويض الأنشطة التركية في المنطقة، مقابل الحصول على المال والخدمات اللوجستية.
وتابع: قدمت تركيا منذ عام 2011 الدعم غير المشروط للصومال بهدف إرساء الاستقرار والتركيز على التنمية في هذا البلد الذي أنهكته الحرب والهجمات الإرهابية. وفي الوقت نفسه، لم يرق هذا الدعم لقوى مختلفة تتغذى على حالة عدم الاستقرار التي يتخبط بها الصومال، لذلك دفعت بتنظيم الشباب نحو استهداف الأنشطة التركية بهدف تقويض مسيرة التنمية في هذا البلد الإفريقي المهم.
بدوره، قال عبد القادر محمد نور، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الصومالية ومستشار رئيس البرلمان الاتحادي في الصومال (مقديشو)، إن تركيا تعتبر البلد الوحيد الذي قدم العون للحكومة الصومالية على الصعيدين المادي والمعنوي من أجل مكافحة تنظيم الشباب.
وأضاف نور لمراسل الأناضول، أن الدعم التركي للحكومة الصومالية لم يرق لتنظيم الشباب والقوى التي تقف خلف التنظيم، لاسيما وأن الدعم التركي كان يستهدف تنشيط قطاعات التعليم والتنمية إضافة إلى المساعدات العسكرية التي تهدف إلى تعزيز سلطة الدولة.
وتابع: إضافة إلى ما سبق، فإن الطرق التي أنشأتها تركيا في الصومال، بدأت تأتي أكلها في المساهمة بكسر قوة وهيمنة تنظيم الشباب في مختلف المناطق، حيث حرمت التنظيم من الأتاوات التي يجبر السكان المحليين على دفعها، ما زاد من نقمته على النشاطات التركية في المنطقة. تلك النشاطات التي لم ترق للتنظيم والقوى الداعمة له.
وأشار إلى أن تنظيم الشباب في الصومال يعمل على وقف المساعدات المادية والمعنوية التي تقدمها الحكومة التركية للصومال، لاسيما في مجالات دعم قطاع التعليم والتنمية والمساعدات العسكرية.
– الدور التركي يحظى برضا الشعب الصومالي
ولفت نور إلى أن الحاجة إلى تجديد البنية التحتية والمباني التي لحقت بها أضرارا بسبب النزاعات الداخلية لسنوات عديدة، فتح الباب أمام العديد من فرص التعاون بين البلدين الصومال وتركيا، وخاصة في قطاعات البناء والنقل والاتصالات.
وتابع القول: “لهذا السبب، اضطلعت الشركات التركية بأدوار مهمة في بناء وتشغيل المطارات والموانئ والطرق بين المدن وإعادة تأهيل البنية التحتية وبعض المباني العامة في المنطقة. كما قامت أنقرة بافتتاح مركز للتدريب في الصومال لتدريب عناصر الشرطة والجيش والاستخبارات، وهذا ما زاد من نقمة التنظيم على الأنشطة التركية”.
وأضاف أن التنظيم الإرهابي يعمد الى اتهام تركيا من وقت لآخر بالتدخل في السياسة الداخلية للصومال واستغلال المقدرات الاقتصادية للبلاد، في الوقت الذي يعمد فيه التنظيم الى استهداف العسكريين والمدنيين، في ظل صمت غربي.
وأوضح نور أن تركيا تكون دائمًا بين الدول السباقة إلى إدانة الهجمات الإرهابية التي تستهدف أمن الصومال، فيما تسارع مستشفى رجب طيب أردوغان في العاصمة الصومالية وكذلك وزارة الصحة التركية من خلال طائرة الإسعاف التي ترسلها إلى مقديشو، من أجل تضميد جراح الشعب الصومالي ومد يد العون له.
وأشار نور إلى أن الدور التركي يحظى برضا الشعب الصومالي، كما أن الدعم الذي تقدمه أنقرة لمقديشو بات يعبر في نظر الصوماليين عن خطوات ملموسة تهدف لتنمية البلاد ودعم الشعب الصومالي.
– الهجمات التي تستهدف الأنشطة التركية
أعلن تنظيم الشباب مرارا وتكرارا عن عزمه استهداف الأنشطة التركية والمواطنين الأتراك في الصومال، وعليه، باتت مراكز التدريب التركية وسفارة أنقرة في مقديشو والمؤسسات التركية العاملة في الصومال والمواطنين الأتراك الذين يعملون في قطاعات مختلفة بما في ذلك تطوير البنية التحتية، هدفًا دائمًا للتنظيم الإرهابي.
وخلال الأشهر الأخيرة، زادت الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم الشباب القلق من الأنشطة التركية في الصومال، حيث تعمد التنظيم استهداف الأنشطة التي تهدف إلى دفع عجلة التنمية في الصومال وكذلك الممثليات الدبلوماسية.
وأسفر الهجوم المسلح الذي شنه عناصر التنظيم ضد موقع بناء تابع لشركة مقاولات تركية تعهدت ببناء الطريق الواصل بين العاصمة الصومالية مقديشو وبلدة “أفجويي” شمال غربي العاصمة، عن مقتل 3 جنود صوماليين مكلفين بحماية الفريق التركي، وإصابة 20 آخرين 6 منهم من الأتراك.
وفي 14 يناير/ كانون الثاني الجاري، قتل 3 جنود صوماليين كانوا يحمون مواطنين أتراك يعملون في شركة بناء، نتيجة انفجار قنبلة زرعت على جانب طريق قرب العاصمة، فيما قتل أكثر من 90 شخصًا، اثنان منهم من الأتراك، في الهجوم الذي وقع بمقديشو في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بالقرب من مركز الجمارك، حيث تم تفجير سيارة محملة بالمواد المتفجرة، في الاعتداء الذي تبناه تنظيم الشباب الإرهابي.
وفي مايو/ آذار الماضي، قتل مهندس تركي نتيجة انفجار قنبلة جرى تثبيتها على سيارته في مقديشو، فيما أصيب 3 أشخاص في هجوم مسلح استهدف سيارة تابعة لوقف المعارف التركي بمقديشو، في سبتمبر/ أيلول الماضي.
كما تعرضت السفارة التركية في مقديشو عام 2013، لاعتداء مسلح أسفر عن استشهاد أحد أفراد شرطة العمليات الخاصة المكلفة بحماية السفارة، وإصابة اثنين آخرين بجروح.
وفي أبريل/ نيسان، قُتل 5 عمال إغاثة صوماليين وأصيب 4 أتراك في هجوم استهدف قافلة مساعدات إنسانية تابعة للهلال الأحمر التركي في الصومال.
– الأتراك أشقاؤنا ودماؤهم من دمائنا
ونظم مئات الصوماليين في مقديشو مسيرة منددة الهجمات التي يشنها تنظيم الشباب ضد الأنشطة التركية والمواطنين الأتراك منذ أوائل يناير/ كانون الثاني الجاري.
ورفع المشاركون في المسيرة لافتات كتب عليها “الأتراك أشقاؤنا ودماؤهم من دمائنا”، كما دعا المشاركون خلال المسيرة كافة المواطنين الصوماليين إلى عدم التستر على عناصر التنظيم وإبلاغ قوات الأمن بأسمائهم.
وأكد المتظاهرون أن الأتراك أناس ودودون يعملون بجهد كبير من أجل النهوض بالصومال.
بدوره، أشاد وزير الخارجية الصومالي أحمد عيسى عوض، بالدور التركي وقال إن بلاده تمكنت بفضل تركيا من حل الإشكال الذي تسببه حركة “الشباب” المسلحة.
وأشار عوض في تصريحات أدلى بها في أبريل/ نيسان الماضي، أن تركيا تدعم بشكل قوي العلاقات الثنانية بين البلدين وتقوم باستثمارات كبيرة جدا من شأنها تنمية الصومال.
واعتبر الوزير الصومالي، أن “تركيا أكثر دولة نتلقى منها مساعدات مهمة للغاية في المجالين الإنساني والبنية التحتية”.
وأوضح أن من بين تلك الاستثمارات بناء المستشفيات والمطارات والمنشآت العسكرية والموانئ ومبنى البرلمان المؤقت وقطاع التعليم، حيث تواصل الشركات التركية إتمام الاستثمارات في تلك المجالات.
وأردف: “تركيا حليف مهم للغاية، وبلد شقيق بالنسبة لنا، ونحن سعداء جداً للدور القيادي لتركيا في الساحة الدولية”.
وتابع: “لقد أصبحت الحكومة الصومالية قوية، بدعم من الدول الشقيقة مثل تركيا، وتقديم المساعدة وتوفير المنح الدراسية، والفرص المتاحة للشباب، والتدريب العسكري في أكاديمية الشرطة، ما زاد الاستجابة للمطالب وقوة وسيطرة الحكومة في نظر الشعب”.
– الخطوات التركية الهادفة للنهوض بالصومال
تأسست العلاقات الدبلوماسية الأولى بين الجمهورية التركية والصومال عام 1979، حيث افتتحت تركيا سفارة لها في مقديشو.
وفي عام 2011 أعادت تركيا افتتاح سفارتها التي كانت مغلقة منذ عام 1991 بسبب الحرب الأهلية في البلاد، كما افتتحت أنقرة عام 2014 قنصلية عامة في مدينة “هرجيسا” وهي العاصمة وأكبر مدينة فيما يعرف بجمهورية أرض الصومال.
وتسارعت العلاقات الدبلوماسية مع إعادة افتتاح السفارة التركية في مقديشو والزيارة التي أجراها الرئيس التركي أردوغان إلى الصومال في 19 أغسطس/ آب 2011، حيث اعتبر هذا التاريخ بداية لاتخاذ خطوات رائدة وملموسة تهدف لتحقيق السلام والازدهار في الصومال.
وبعد الزيارة التي أجراها أردوغان إلى هذا البلد الذي طالما شغلت أخبار الكوارث التي يشهدها أجندة وسائل الإعلام العالمية، بدأت وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA)، والهلال الأحمر، والمنظمات غير الحكومية، تساهم في أكبر حملة للمساعدات الخارجية.
واعتبارًا من عام 2011 تجاوزت قيمة المساعدات الإنسانية التي قدمتها تركيا إلى الصومال المليار دولار، في الوقت الذي حرصت فيه الحكومات التركية المتعاقبة على دعم القطاعات الحيوية في الصومال، مثل قطاع التعليم والصحة والنقل والأمن، وتطوير البنية التحتية للمساهمة في تنمية الصومال وإعادة إعماره.
– الصديق وقت الضيق
واصلت تركيا رغم جميع المصاعب، الوقوف إلى جانب الصومال الذي عانى من الجفاف وشح مصادر الغذاء والتصدي للهجمات الإرهابية التي واجهتها مختلف مناطق البلاد.
فقامت تركيا عام 2015 بإنشاء مستشفى رجب طيب أردوغان، التي تتوفر على أحدث الأجهزة الطبية من أجل توفير الخدمات الصحية لمواطني الصومال.
وتلعب الشركات التركية دورًا مهمًا في بناء وتشغيل الموانئ والمطارات، والتي تعتبر حيوية لإنعاش الحياة الاقتصادية في البلاد. فيما تستمر المساعدات التركية الهادفة لدعم مسيرة التنمية الاقتصادية وإعادة بناء مؤسسات الدولة في الصومال.
كما جرى تنفيذ العديد من المشاريع المهمة والحيوية في مناطق مختلفة من البلاد، ولاسيما في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبلديات وتطوير البنية التحتية وإنشاء آبار المياه.
وفي الوقت الذي يجري فيه دعم القطاع الخاص في تركيا للقيام بمشاريع استثمارية في الصومال، تواصل تركيا دعمها للقوات المسلحة الصومالية، من خلال القاعدة التركية في الصومال، بهدف إنشاء جيش وطني صومالي موحد ومنضبط.
كما بدأت الخطوط الجوية التركية تنظيم رحلات إلى الصومال، رغم خشية الكثير من شركات الطيران الدولية من فتح خط طيران إلى مقديشو بسبب حالة عدم الاستقرار في البلاد. ونستطيع القول إن شركة الخطوط الجوية التركية بقيت لسنوات عديدة شركة الطيران الوحيدة التي تربط الصومال ببقية دول العالم.
وعبر برنامج المنح التركية، بلغ عدد طلاب الدراسات العليا من الصوماليين في تركيا 446 طالبًا صوماليًا، فيما أتم حتى الآن 304 طلاب صوماليين دراستهم وتخرجوا من تركيا للمساهمة في نهضة الصومال.
كما بلغ عدد الصوماليين الذين استفادوا من المنح الدراسية الحكومية في تركيا من عام 1992 وحتى اليوم، ألفا و92 طالبا.
كما ساهم مركز يونس أمره الثقافي التركي منذ افتتاحه في العاصمة الصومالية عام 2017، في تعليم أكثر من 3500 مواطن صومالي اللغة التركية، فيما تواصل المدارس التابعة لوقف المعارف التركي في مقديشو وهرجيسا، تقديم الخدمات التعليمية للمواطنين الصوماليين من أجل دفعهم للمساهمة في بناء مستقبل أفضل لبلادهم.